التقى الورع المثابر، الأوّاب راهب الليل, عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه وأرضاه
عبد الله بن عمر بن الخطاب
نســــبه
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح ، بن عدي ، بن كعب بن لؤي بن غالب ، الإمام القدوة شيخ الاسلام أبو عبد الرحمن القرشي العدوي المكي ، ثم المدني يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في كعب بن لؤي .
و كنيته أبا عبد الرحمن، أبوه هو الفاروق عمر بن الخطاب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وامير المؤمنين ، وأمه هى الزوجة الثالثة لعمر بن الخطاب زينب بنت مظعون القرشية من بني جمح أخت عثمان بن مظعون الجمحي . وكان عمر قد تزوجها في الجاهلية بمكة ، وقد ولدت له حفصة أم المؤمنين وعبد الرحمن الأكبر وعبد الله الأكبر ، ولد بعد البعثة بعامين ويقال ثلاث وأباه لازال على الكفر.
نشأته و إسلامه
أسلم وهو صغير بمكة مع أبويه ولم يكن بالغًا حينئذٍ، وما إن أصبح يافعا حتى أسلم والده عمر بن الخطاب، ثم هاجر للمدينة المنورة مع والده وهو ابن عشرة أعوام ويقال إحدى عشرة عاما. وهناك اجتهد في حفظ القرآن.
وأخذ ينهل من تعاليم الإسلام عن الرسول محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- مباشرة، حيث كان يتبعه كظله.
أول غزواته الخندق فقد شارك فيها عندما سمح له يذلك وهو ابن خمسة عشر عاما من العمر، كما شارك في بيعة الرضوان تحت الشجرة. وخرج إلى العراق وشهد القادسية ووقائع الفرس ، وورَدَ المدائن ، وشهد اليرموك ، وغزا إفريقية مرتين، يقول عبد الله :
( عُرضتُ على النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر وأنا ابن ثلاث عشرة فَرَدَّّني ، ثم عرضتُ عليه يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فردّني ثم عرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمسَ عشرة فأجازني).
وعن سالم ابنه [عن ابن عمر قال كان الرجل في حياة رسول الله إذا رأى رؤيا قصها على النبي قال وكنت غلاما شابًّا عزبًا فكنت أنام في المسجد على عهد رسول فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار فإذا هي مطوية كطي البئر وإذا لها قرنان وأرى فيها ناسًا قد عرفتهم فجعلت أقول أعوذ بالله من النار أعوذ بالله من النار فلقيهما ملك آخر فقال لي لن تراع ، فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على رسول الله فقال:
نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل، قال سالم فكان عبد الله بعد لا ينام من الليل إلا قليلا] أخرجاه في الصحيحين.
[وعن نافع قال: قال لي عبد الله بن عمر: رأيت في المنام كأن بيدي قطعة من استبرق ولا أشير بها إلى مكان من الجنة إلا طارت بي إليه فقصتها حفصة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن أخاك رجل صالح أو إن عبد الله رجل صالح] أخرجاه في الصحيحين.
صفــــاته
وكان ابن عمر رجلاً آدم جسيماً ضخماَ قال أبو إسحاق السبيعي : رأيت ابن عمر آدم ، جسيما، إزاره إلى نصف الساقين ، يطوف ، وقال هشام بن عروة : رأيت ابن عمر له جمة .
و كان رضي الله عنه كثير الفضائل والمناقب، وكان يجتهد في العبادة وترويض النفس. وكان فقيها كريما حسن المعشر طيب القلب لا يأكل إلا وعلى مائدته يتيم يشاركه الطعام. وكان دخله وعطاؤه بمئات الآلاف وكان يعيش عيش الفقراء والمساكين، حيث كان يوزع كل ما وصل إليه من مال وعطاء.
وكان حسن الخلق لم يلعن خادمه قط، ولم يسَبَّ أحدًا طوال حياته، وقد ارتكب خادمه خطأ ذات مرة فهمَّ أن يشتمه، فلم يطاوعه لسانه، وندم على ما همَّ به فأعتقه لوجه الله تعالى، وكان قارئًا للقرآن، خاشعًا لله، وكلما قرأ أو سمع آية فيها ذكر القيامة بكى حتى تبتل لحيته من كثرة الدموع، فعن نافع قال: كان ابن عمر إذا قرأ:
{ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله} [الحديد: 16]
بكى حتى يغلبه البكاء. [أبو نعيم].
وكان رقيق القلب، حسن الطباع، لا يسمع ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا بكى، وما كان يمر بمسجده وقبره -صلى الله عليه وسلم- إلا بكى حبًّا وشوقًا إليه.